فصل ثالث: صدفة مدروسة

 


استيقظ باكرًا على غير عادته، كأن شيئًا ما استقر في عقله منذ الليلة الماضية، رغم أنه لا يعترف به.

وقف في المطبخ يعدّ قهوته، وبين يديه ظهرت البطاقة، تلك التي وجدها البارحة قرب الطاولة بعد أن غادرت.


لم يتفحصها كثيرًا، فقط مرّ بعيونه على الاسم وصورة صغيرة لا تخلو من الرسمية.

"ليلى..."

قرأ الاسم بصوت منخفض، ثم هزّ رأسه كمن يطرد خاطرًا مباغتًا، ووضعها في محفظته.


"مجرد بطاقة... لا أكثر." قالها داخله ليقنع نفسه، بينما في مكان ما من صدره، كان صوت آخر يسأله:

"ولماذا تأخذها إذن؟"

لكنه تجاهل السؤال كما يفعل غالبًا مع كل ما لا يريد الاعتراف به.


مرّ يومه كالمعتاد، دوام عمله في المقهى لم يحمل جديدًا سوى بعض الزبائن الذين يأتون دون اكتراث ويمضون،

حتى جاءت الساعة الأخيرة من الوردية، حين لمحها من بعيد تقف في زاوية الساحة القريبة من المقهى.


لم تكن تضحك، لم تكن تتحدث... بل كانت تقف وحدها، تنظر إلى شيء غير واضح، وربما إلى لا شيء.


خرج من الباب الجانبي وسار نحوها بهدوء، دون خطة حقيقية، سوى أن في جيبه شيئًا يخصّها.

وحين اقترب منها، مدّ يده بالبطاقة وقال بنبرة هادئة:


"أظن أنكِ نسيتِ هذه... بطاقتك."


رفعت عينيها نحوه، نظرة سريعة، فيها بعض الاستغراب، ثم التقطت البطاقة برفق.

"آه... صحيح. شكرًا."


سكتت لثوانٍ، تنظر إلى البطاقة ثم إليه، قبل أن تسأل:

"أأنتَ من كان هناك البارحة؟"


أومأ برأسه، دون أن ينطق. بدا له أن الجواب لا يحتاج إلى شرح.


قالت بهدوء:

"واضح."


مرّت لحظة من الصمت، لا باردة، بل محتشدة بما لا يُقال.


ثم أضافت وهي تتأمله قليلًا:

"غريب أنك أعدت البطاقة. معظم الناس كانوا سيضحكون، أو ينشرونها."


ابتسم دون أن يُظهر أسنانه، وردّ بنبرة صادقة:

"لم يخطر ببالي ذلك... فقط ظننتُ أنكِ ستحتاجينها."


هزّت رأسها ببطء، كمن يرى في الردّ ما هو أعمق مما يبدو، ثم قالت:

"بل كنت تنتظر الفرصة، أليس كذلك؟"


ردّ مبتسمًا:

"أجل بالطبع، لأنك زبونة معتادة في محلنا."


في تلك اللحظة، خرج المدير من المقهى وناداه بنبرة حازمة:

"سامر، انتهت استراحتك، لا أدفع لك لتجلس جانبًا."


رد سامر بلا اكتراث:

"حاضر."


انتهى يومه كما ينتهي كل شيء اعتاد عليه: ضوء المقهى ينطفئ، الكراسي تُقلب فوق الطاولات، وصوت ماكينة الغسيل يُنهي آخر الأكواب.


في طريقه للمنزل، لم يفكر كثيرًا. أو ربما فكّر، لكنه لم يتوقف طويلًا عند فكرة واحدة. ترك كل شيء ينساب كما هو،

 دون تحليل زائد. فقط صوت خطواته، وبعض الهواء البارد.



تعليقات

  1. مرحبا
    موعد الفصل القادم:
    يوم 16 يونيو 2025.
    تابعوا القصة ولا تفوتوا الجديد!

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة